إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائبـــا*** إليك و لم تغفر له فلك الذنــب
لا أركب البحــر أخشــــى*** عليّ منـــــه المعا طــب
طين أنا و هــــو مــــاء*** والطين في المــاء ذائــــب
مجرّبا فهما من قبل تجربـــــة*** مهذبا مكرما من غير تهذيـــب
لقد زدت بالأيام والناس خبــرة*** وجربت حتى هذبتني التجـــارب
بمن يثق الإنسان فيما ينوبــــه*** و من أين للحرّ الكريم الصحــاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلهـــم*** ذئابا على أجسادهن ثيــــاب
ويرجون إدراك العلى بنفوسهـــم*** و لم يعلموا أن المعالي مواهــب
وأعظم أعداء الرجال ثقاتهـــــا*** وأهون من عاديته من تحــارب
أخلاي أمثال الكواكب كثـــرة*** و ما كل نجم لاح في الأفق ثاقـب
بل كلهم مثل الزمان تلونــــا*** إذا سرّ منه جانب ساء جانـــب
وكنت أرى أن التجارب عـــدة*** فخانت ثقات الناس حتى التجارب
من يسأل الناس حرمـــــوه *** و سائل الله لا يخيـــــــب
والله ليس له شريــــــك *** علام أخفـت القلــــــوب
لا يعجبنك أثواب على رجـــل*** دع عنك أثوابه وانظر إلـى الأدب
ولا تحتقر كيد الضعيف فربّمـا*** تموت الأفاعي بسموم العقــــارب
إذا كان رأس المال عمـــرك*** فاحترس عليه من إنفاقه في غير واجب
إذا الذئاب استنعجت لك مـرة*** فحذاري منها أن تعود ذئــــاب
و قد فارق الناس الأحبة قبلنـا*** وأعيا دواء الموت كل طبيـــــب
وعاملني بإنصاف و ظلـــم*** تجدني في الجميع كما تحــــــب
وهل يدفع الإنسان ما هو واقع*** وهل يعلم الإنسان ما هو كاســـب
ذهب الوفاء ذهاب الأمس الذاهب*** فالناس بين مخاتل و مــــوارب
يفشون بينهم المودة و الصفــا*** وقلوبهم محشوة بعقــــــارب
إذا أنت لم تستطع قطع يد الجاني*** قبلها و سقوط جداره فترقــــب
ولم أرى فضلا تم إلا بشيمــة*** ولم أرى عقلا صـــحّ إلا على أدب
يعد رفيع القوم من كان عاقلا *** وإن لم يكن في قومه بحسيـــــب
وإن حلّ أرضا عاش فيها بعقلـه*** و ما عاقل في بلدة بغريـــــب
من لا يغمض عينه عن صديقـه*** وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتــب
ومن يتتبّع جاهدا كل عثــرة*** يجدها فلا يسلم له الدهر صاحـــب
سمّيت بالذهبي اليوم تسميــة*** مشتقة من ذهاب العقل لا الذهـــب
وللحساد عذر أن يذوبــــوا*** و يشحّوا على نظــري إليـــه
فاني قد وصلت إلى مكــــان*** تحسد عليه الحذق القلـــــوب
إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل*** خلوت، ولكن قلّ: عليّ رقيـــب
والناس يجمعهم شمل، وبينهـــم*** في العقل فرق وفي الآداب والحسب
كمثل الذهب الإبريز يشركـــه*** في لونه الصفر، والتفضيل للذهـب
فان تسألوني بالنساء فإننــــي*** عليم بأحوال النساء طبيــــب
إذا شاب رأس المرء أو قلّ مالــه*** فليس له من ودّهن نصيــــب
عدوك من صديقك مستفيـــد*** فلا تستكثرن من الصحــــاب
فان الداء أكثر ما تــــــراه*** يحول من الطعام و الشـــراب
أقرّ له بالذنب والذنب ذنبــــه*** ويزعم أني ظالــم فأتـــوب
لسانك لا تذكر به عورة امــرئ*** فكلك عورات و للناس ألســن
وعينك إن أبدت لك معايبـــا*** فدعها، و قل يا عين للناس أعيــن
فلا برحت بالحاسدين كآبــــة*** ولا هجعت للشامتين عيـــون
إن العدو مبــارز لـــــك*** والصديق هــو الكميــــن
لا أشتكي زمني هذا فأظلمــــه*** و إنما أشتكي من أهل ذا الزمـن
هم الذئاب التي تحت الثيــــاب*** فلا تكن إلى أحد منهم مؤتمــن
لكل شيء إذا ما تمّ نقصــــان*** فلا يغرّ بطيب العيش إنســـان
هي الأمور كما شاهدتهـــا دول*** من سرّه زمن ساءته أزمــــان
احفظ لسانك أيها الإنســــان*** ليلذغنك انــه ثعبـــــان
كم في المقابر من قتيل لسانـــه*** كانت تهاب لقاءه الشجعــــان
حيّاك من لم ترجو تحيّتـــــه*** و لولا الدراهم ما حيّاك إنســـان
إن شئت أن تلقى جميع المحاسن*** ففي وجه من تهوى جميع المحاســــن
وللقلـب علـى القلــب*** دليــل حيــــن يلقـــــاه
وللنـاس مـن النـــــاس*** مقاييـس وأحــــــــزان
هموم رجال في أمور كثيـــرة*** و همّي من الدنيا صديق مساعـــد
يكون كروح بين جسمين فرقــا*** فجسماهما جسمين و الروح واحـد
و لما أتيت الناس أطلب عندهـم*** أخا ثقة عند ابتلاء الشدائـــــد
تقلبت في دهري رخاء و شــدة*** وناديت في الأحياء هل من مساعـد
فلم أر فيما ساءني غير شامـت*** و لم أر فيما سرني غير حاســـــد
كل العداوات قد ترجى مودتهـا*** إلا عداوة من عاداك من حســـد
إذا سمع الناس ألفاظـــــه*** خلقن له في القلوب الحســـــد
و لما تخيّرت الأخلاء لم أجـــد*** صبورا على حفظ المودة و العهــد
كم والد يحـــــرم أولاده*** و ماله يحظى بــه الأبعـــــد
كالعين لا تدرك ما حولهــــا*** و لحظها يدرك ما يبعــــــد
ستبدي لك الأيام التي كنت جاهلا*** و يأتيك بالأخبار من لم تـــزود
تمنى رجال أن أموت و إن مــت*** فتلك سبيل لست فيها أوحـــد
إذا جمع الأعداء أمر مكيـــدة*** لغدر، كفاك الله كيد المكايــــد
إني صحبت أناس ما لهم من عدد*** و كنت أحسب أني قد ملأت يــدي
لما بلوت أخلائي وجدتهـــم*** كالدهر في الغدر لم يبقوا على أحــد
إن غبت عنهم فشرّ الناس يشتمني*** وإن مرضت فخير الناس لم يعـــد
و إن رأوني بخير ساءهم فرحــي*** وإن رأوني بشر سرّهم نكـــدي
تكلم و سدد ما استطعت فإنمــا*** كلامك حي و السكوت جمـــاد
فان لم تجد قولا سديدا تقولــه*** فصمتك عن غير السدادا ســـدادا
تقطعوا حسدا أراهم ما بهـــم*** فتقطعوا حسدا لمن لا يحســــد
أزل عني كمد الحساد بكبتهــم*** فأنت الذي صيرتهم لي حســـدا
وأنت الذي بلغتني كل رتبـــة*** مشيت إليها فوق أعناق حســدي
عن المرء لا تسأل وسلّ عن قرينه** فكل قرين بالمقارن يقتــــــدي
تخلق الناس بالأدناس واعتمـدوا*** من الصفات الدها و المكر والحســد
كرهت منظرهم من سوء مخبرهم*** فقد تعاميت حتى لا أرى أحــــدا
عليك بالصـدق و إن أحرقك *** الصــدق بنــار الوعيـــــد
لمن جاهد الحساد أجر المجاهــد*** وأعجز ما حاولت إرضاء حاســـد
غفلت عن الحساد من غير غفلة*** وبت طويل النوم عن غير راقــــد
لا تحقــرن الفقيـر علـك أن*** تركع يوما و الدّهر قد رفعــــه
و قد يتزينا بالهوى غير أهلـــه*** ويستصحب الإنسان من لا يلائمـه
اصبـر علــى كيـد حسـود*** فان صبـرك قاتلــــــــه
فالنار تأكـل بعضهــــا إن*** لم تجــد مـا تأكلـــــــه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقلــه*** فقد كملت أخلاقه و مآربـــــه
و صاحب لم أبله أصادقــــه*** هذا زمن شرسـت خلائقـــــه
و ما أخوك الذي يدنو به نسـب*** و لكن أخوك الذي تصفو ضمـائـره
من اعتراك الشك في جنســـه*** و حاله فانظــر إلى شيمتــــه
دع الحسود و ما يلقاه من كمـد*** يكفيك منه لهيب النار في كبـــده
إذا لمت ذا حسد نفتّ كربتـــه*** وإن سكتّ فقد عذبته بيــــده
من لاعب الثعبان في كفــــه*** هيهات أن يسلم من لسعتــــه
كن عن جميع الناس في معــزل*** قد يسلم المعزول في عزلتـــــه
من أطلق القول بلا مهلــــة*** لا شك أن يعثر في عجلتـــــه
ولا تعطينّ الرأي من لا يريــده*** فلا أنت محمود ولا الرأي نافعـــه
وأنزلني طول النوى دار غربــة *** إذا شئت لاقيت امرأ لا تشاكلــه
أحامقه حتى تقال سجيّــــة*** ولو كان ذا عقل لكنت أعاقلـــه
من لـــزم الصمت نجا سالمـا*** لا يندم المرء عن سكتتــــــه
هذا الكتاب الذي هام الفؤاد بـه*** يا ليتني قلم في كفّ كاتبـــــه
وإذا حذرت من الأمور مقــدرا*** و هربت منه، فنحوه تتوجــــه
احذر عدوك مـــــــرة*** و احذر صديقك ألـف مــــرة
مررت بالمروءة و هي تبكـــي*** فقلت علام تنتحـب الفتــــاة
ليس له عيب ســـوى أنــه*** لا تقع العيـن علـى مثلــــه
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى*** ظمئت وأي الناس تصفو مشاربـه
إذا كنت مختصا لنفسك صاحبا*** فمن قبل أن تلقاه بالود أغضبــــه
فان كان حال القطيعة منصفـا*** وإلا فقد جربته فتجنبـــــــه
عشت عمرا شقيت فيه بقـوم*** خذلوا الماس و احتفوا بترابـــــه
سأترك حبّكم من غير بغــض*** وذلك لكثرة الشركــاء فيــــه
و تجتنب الأسود ورود مــاء*** إذا كان الكلاب ولغــن فيــــه
إذا وقع الذباب على الطعـام*** سأتركه و قلبي يشتهيــــــــه
إذا شرب الأسد من خلف كلـب*** فهاذاك الأسد لا خيــر فيـــه
و يرتجع الكريم خميس بطــن*** ولا يرضى مساهمـة السفيـــــه
من لي بإنسان إذا أغضبتـــه*** و جهلت كان الحلم ردّ جوابــــه
و تراه يصغي للحديث بسمعـه*** و بقلبــه و لعلــه أدرى بـــه
العلم صيد، و الكتابة قيــده*** قيد صيدك بالحبال الواثقــــــة
فمن الحماقة أن تصيد غزالــة*** و تتركها بين الخلائق طالقـــــة
أمّا يميني فهي عندي غاليـــة*** و كلمتي مثل يميني وافيــــــة
لمّا عفوت ولم أحقد على أحـد*** أرحت نفسي من همّ العــــداوات
ولست أسلم من خلّ يخالطنـي*** فكيف أسلم من أهل العــــداوات
فــي النـاس إذا فتشتهـم*** مـــن لا يعـزك ولا تذلــــه
ربّ من أنضجت غيظا قلبــه*** قد تمنى لي موتا لم يطـــــــع
و يحيّيني إذا لاقيتــــــه*** وإن يخلو له لحمـي رتــــــع
إذا أنت لم تصبرعلى ما أصابك*** فليس لك شيء سوى الموت أنفـــع
و من يأمن الدنيا مثل قابــض*** على الماء خانته فروج الأصابــــع
و النفس راغبة إذا رغبتهـــا*** وإذا ترد إلى قليـل تقنــــــع
السّبع سبع وإن كلّت مخالبــه*** والكلب كلب و لو ربّى بين السّبـاع
نرقع دنيانا بتمزيق ديننــــا*** فلا ديننا يبقى و لا ما نرقـــــع
كل علم ليس في القرطاس ضاع*** كل سرّ جاوز الاثنـان شــــاع
إذا كان ما يبغيه فعلا مضارعـا*** مضى قبل أن تلقى عليه الجـــوازم
و أصعب خطة و أجلّ أمـــر*** مجالسة اللئام على الكــــــرام
إذا كنت في حاجة مرســـلا*** و أنت بها كلــف مغرمـــــا
فأرسل حكيما و لا توصـــه*** وذاك الحكيم هو الدرهــــــم
لا تودع السرّ إلا عند ذي كـرم*** والسرّ عند كرام الناس مكتـــوم
و السرّ عندي في بيت له غلـق*** قد ضاع مفتاحه و البيت مختــــوم
لا يغرنك أني لين المــــس*** فحزمي إذا انتضيت حســــــام
أنا كالورد فيه راحة قـــوم*** ثم فيه للآخرين زكــــــــام
متى يبلغ البنيان يوما تمامــه*** إذا
كنت تبنيه وغيرك يهــــــدم
ذو العقل يشقى في النعيم بعقلـه*** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعـــم
احذر لسانك من خلّ تنادمــه*** فان النديم لمشتق من النـــــدم
و ما الداء إلا أن تعلم جاهــلا*** و يزعم جهلا أنه منك أعلــــم
صلاح أمرك للأخلاق مرجعــه*** فقوم النفس بالأخلاق تستقــــم
و ما أدري أذا داء حديـــث*** أصاب الناس أم داء قديــــــم
و دهر ناسه ناس صغــــار*** و إن كانت لهم جثث ضخــــام
و كل شجاعة في المرء تغنــي*** و ليس مثل الشجاعة فوق حكيـــم
و كم من عائب قولا صحيحـا*** وآفته في الفهــم سقيــــــم
و كن على حذر للناس تستـره*** ولا يغرنك منهم ثغــر مبتســـم
أسمعتني و دوائي ما أشرت بــه*** فان غفلت فدائي قلـة الفهــــم
لا تنه عن خلق و تأتي
بمثلـــه*** عار عليك إذا فعلــت عظيـــم